هل الالتهابات تسبب العقم؟

يمكن أن تُسبب الالتهابات بأنواعها المختلفة أضرارًا جسيمة للجهاز التناسلي لدى كل من الرجال والنساء، مما يؤدي إلى فقدان الخصوبة أو العقم. هذه المشكلة شائعة؛ فالالتهابات في الجهاز التناسلي الذكري تمثل حوالي 15% من حالات عقم الرجال، في حين تُصاب 2.5% من النساء بالعقم نتيجة لالتهاب الحوض (PID) قبل سن 35.

على الرغم من أن الأمراض المنقولة جنسيًا هي الأكثر شيوعًا، إلا أن العقم قد ينجم أيضًا عن التهابات أخرى مثل السل، والالتهابات البكتيرية المختلطة في الحوض، والمضاعفات الالتهابية بعد الجراحة، وتسمم الدم التالي للإجهاض أو النفاس، وانفجار الزائدة الدودية.

يمكن تجنب الضرر طويل الأمد غالبًا بمعالجة الالتهابات بسرعة. لذا، تُعد توعية الأفراد بمخاطر هذه الالتهابات، وسبل الوقاية، والأعراض التي تستدعي الانتباه هي أفضل السبل لحماية الخصوبة.

أنواع التهابات تسبب العقم

العدوى البكتيرية

1. بكتيريا النيسرية البنية:

تُعد بكتيريا النيسرية البنية المسبب الرئيسي لمرض السيلان. غالبًا ما تكون الأعراض أقل وضوحًا لدى النساء، حيث تُسبب البكتيريا التهابًا في مجرى البول وعنق الرحم. إذا تُركت دون علاج، يمكن أن تنتشر العدوى إلى أجزاء أخرى من الجهاز التناسلي، مما يؤدي إلى مضاعفات خطيرة. في المقابل، يُعاني الرجال عادةً من أعراض أكثر وضوحًا مثل الحرقة والإفرازات القيحية من مجرى البول.

في 10-20% من النساء المصابات بالسيلان، تتفاقم العدوى لتصل إلى داخل الرحم، وقناتي فالوب، والحوض، مما يؤدي إلى التهاب هذه المناطق والتصاقات في الحوض. قد تصل شدة العدوى أحياناً إلى حد تكوين الخراجات. تُعد التصاقات الرحم، وانسداد قناتي فالوب، والتهاب الحوض من الأسباب الرئيسية للعقم لدى النساء نتيجة الإصابة بالسيلان.

2. الميكوبلازما التناسلية:

تُوجد الميكوبلازما التناسلية (المتفطرات) بكثرة في الجهاز التناسلي والسائل المنوي للرجال. وأكثر أنواع المتفطرات شيوعًا في الجهاز التناسلي هي اليوريا بلازما يوريا ليتيكوم، التي تلعب دورًا فعالًا في التسبب بالتهابات مجرى البول غير السيلانية لدى الرجال.

بالإضافة إلى ذلك، تُسبب اليوريا بلازما يوريا ليتيكوم زيادة في إنتاج المواد المؤكسدة. هذا الارتفاع في المواد المؤكسدة داخل السائل المنوي يُلحق الضرر بجودة وكمية الحيوانات المنوية على المدى الطويل، والإصابة بالعقم عند الرجال.

3. الكلاميديا:

تُشكل عدوى الكلاميديا خطرًا كبيرًا على الخصوبة لدى كل من الرجال والنساء، وإن كان تأثيرها أكثر وضوحًا لدى النساء. تُعد هذه العدوى السبب الأكثر شيوعًا لالتهابات مجرى البول غير السيلانية عند الرجال، وقد تتطور لتُصيب البربخ والخصية، مما يؤدي إلى العقم. لدى النساء، يمكن للكلاميديا أن تُسبب التهاب الحوض وانسداد قناة فالوب، مما يزيد من خطر الحمل خارج الرحم ويُعد عاملًا رئيسيًا للعقم، خاصة بين الشابات. فضلاً عن ذلك، تُحفز العدوى إنتاج أجسام مضادة للحيوانات المنوية، مما يُفاقم من تدهور الخصوبة.

4. بكتيريا الأمعاء:

تُشكل بكتيريا الأمعاء (الأنتروباكِتريا)، والتي تستوطن الأمعاء عادة، سبباً رئيسياً للعديد من الالتهابات. عند الرجال، تُعد هذه البكتيريا المسؤولة عن 65-80% من حالات التهاب البروستاتا الحاد والمزمن، وتشمل أنواعاً شائعة مثل الإشريكية القولونية والبروتيوس والكليبسيلا. أما لدى النساء، فنظراً لقصر الإحليل، يمكن لهذه الميكروبات أن تنتقل بسهولة إلى الجهاز التناسلي والبولي، مُسببة التهابات خطيرة في المهبل، والرحم، وقناتي فالوب، والحوض. وتُعد العلاقات الجنسية غير المألوفة أحد طرق انتقال هذه البكتيريا من الأمعاء إلى الجهاز التناسلي.

الفطريات والطفيليات

تُعتبر الفطريات والطفيليات من المسببات الشائعة للعدوى التناسلية التي قد تؤدي إلى العقم. من أبرزها:

1. المبيضات (الكانديدا):

تُعد المبيضات من الفطريات الهامة التي تُصيب الجهاز التناسلي. تتواجد هذه الفطريات بشكل طبيعي في مجرى البول لدى الرجال، وإذا دخلت إلى السائل المنوي، فإنها تُسبب ضررًا لحركة الحيوانات المنوية. كذلك، تنمو هذه الفطريات بشكل طبيعي في الجهاز التناسلي للإناث وتُسبب العدوى. قد تكون العدوى بهذه الفطريات أحيانًا بسيطة وأحيانًا أخرى خطيرة.

2. المشعّرة المهبلية:

تُعد المشعّرة المهبلية عدوى طفيلية تنتقل جنسيًا، وتُصيب النساء بشكل أساسي في المهبل والرجال في المسالك البولية. يُمكن علاجها بنجاح عبر الالتزام بالمضاد الحيوي المناسب. لكن من الضروري معرفة أن إهمال علاجها قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل العقم أو الولادة المبكرة.

3. الأميبا:

تُعد الأميبا نوعًا من الطفيليات المعوية التي يُمكن أن تُسبب عقمًا كاملاً لدى النساء. ومن إحدى طرق انتقالها إلى الجهاز التناسلي الأنثوي هي الممارسات الجنسية غير التقليدية.

الفيروسات:

تُعد الفيروسات التالية من الأكثر شيوعاً التي يُمكن أن تؤدي إلى العدوى التناسلية والعقم:

1. فيروس الهربس التناسلي:

تُشكل عدوى فيروس الهربس التناسلي تحديًا للخصوبة لدى كل من الرجال والنساء. ففي حال إصابة الرجال، يمكن أن يُؤثر الفيروس سلبًا على السائل المنوي والخصوبة بشكل عام. ومع ذلك، فإن التدخل العلاجي السريع بعد تأكيد التلوث يُمكن أن يُحدث فرقاً إيجابياً في جودة الحيوانات المنوية. أما بالنسبة للنساء، فإن هذا الفيروس قد يُسبب التهاباً حوضياً، مما يُبرز أهمية الوعي والعلاج لحماية الصحة الإنجابية.

2. فيروس الورم الحليمي البشري (HPV):

يُمكن أن يُؤثر فيروس الورم الحليمي البشري على الخصوبة لدى كلا الجنسين. فلدى الرجال الذين يُعانون من غياب الحيوانات المنوية (azoospermia)، قد يُكتشف الفيروس في عينات الخصية، ويُعتقد أنه يُساهم في تقليل حركة الحيوانات المنوية. أما بالنسبة للنساء، فيُمكن أن يُسبب HPV تلفاً في قناتي فالوب، مما يؤدي إلى العقم.

3. فيروس نقص المناعة البشرية (HIV):

بالإضافة إلى تسببه في تلف الحيوانات المنوية، يزيد فيروس نقص المناعة البشرية من احتمال الإصابة بالتهابات أخرى في الجهاز التناسلي.

الأسئلة المتكررة:

هل التهابات المسالك البولية تسبب العقم؟

لا تُسبب التهابات المسالك البولية العقم بشكل مباشر عادةً، إلا أن هناك صلة بين التهابات المسالك البولية التناسلية والعقم. فلدى النساء، يمكن للبكتيريا أن تنتقل من مجرى البول إلى المهبل والمسالك التناسلية، مما يؤدي إلى التهابات قد تؤثر على الخصوبة. أما لدى الرجال، فقد تدخل الأمراض المنقولة جنسيًا عبر مجرى البول، مُسببةً التهاب البروستاتا، الذي قد يُؤثر على الخصيتين والبربخ والغدد الأخرى. هذا الالتهاب قد يُضر بإنتاج الحيوانات المنوية، وجودتها، ووظيفتها، كما يمكن أن يُسبب انسداداً في الجهاز التناسلي، مما يُعيق الخصوبة.

هل التهابات المهبل تسبب العقم؟

يعتمد الأمر على نوع العدوى. فبعض التهابات المهبل، مثل التهاب المهبل الجرثومي (Bacterial Vaginosis)، لا تُسبب العقم. لكن بعض الالتهابات الأخرى تُحدث تغييرات في بنية قناتي فالوب والطبقة الداخلية للرحم (بطانة الرحم)، مما يمنع وصول الحيوانات المنوية إلى البويضة ويُعيق انغراس الجنين. هذه الحالات قابلة للفحص والتشخيص.